Saturday 28 April 2012

مدينة الحب, بلا ألوان


  ربطة عنق تحت بدلة عتيقة وقبعة سوداء.. حادث جانبي يلفت انتباه جميع من بالشارع, تقف بجانبه وتنفك ربطة شعرها دون قصد, ينحني ليعطيها إياها وهي تشكره دون أن تنظر إليه; تتابع النظر تجاه الحادث.. هو يتأملها بكل وجدانه, لا يعلم من هي, لكنه فقط أراد التأمل والنظر إليها في صمت, ثم ظن للحظة أنها ربما تلاحظ انه يتأملها وتقصد أن تتجاهله.. ربما لا تريد أن تبادله النظرات لخجلها, أو هناك ما يمنعها, أو ربما فعلا الحادث أخذ كل اهتمامها; انتهى كل شيء وعادت الحركة الطبيعية للشارع من جديد, لم يبقَ سواهم, يضبط قبعته, ثم يتركها ليسير في صمت فتستدير هي لا إراديًا وتسير في الاتجاه المعاكس, ثم تلتفت لوهلة لتنظر إليه بعد أن زادت المسافة بينهما.. لا تجده... 
 سِتـــار

المشهد الثاني
تذهب في صباح اليوم التالي إلى المقهى القريب من منزلها لتحتسي القهوة.. يراها مجددًا, وهي لا تلاحظه أيضًا, هي منشغلة بالتفكير فيما إذا كان ما حدث بالأمس فعلًا له سبب في أن تشعر بهذا أم كانت مجرد تهيؤات.. هل فعلا أرادها؟ لماذا لم يطلب منها الحديث إذًا؟ لماذا لم يقدم نفسه إليها ويسألها عن اسمها حتى؟ يخيم ظل على المكان حولها.. تشعر بخلل في الاضاءة وهي تنظر لفنجان القهوة الفارغ.. ترفع رأسها لتسمع تلك الكلمات: "آسف.. لكن أردت أن اعلمك انكِ من أجمل النساء اللاتي رأيتهن في حياتي.. بل أكاد أقسم أنني لم أرَ نساءً قبلكِ.. كيانكِ ككل يبهرني.. اسمحي لي..." يقبل يداها. ويترك المكان.. وترتسم على شفتيها ابتسامة بلهاء ممزوجة بالخجل ولا تخلو من السعادة.. مع تساؤل عابر "لماذا لم يتناول معي القهوة؟" لكنها لا تهتم لأنها تعلم أنه سيعود ...
سِتـــار

المشهد الثالث


ظل يراقبها بضعة أيام إلى أن مر أسبوع ولم يكن اسبوعًا هينًا في حياتها هي, ليس بسببه ولكن دائما عندما يحدث في حياتنا شيء جديد تعود الذكريات في التحليق من جديد حولنا, بعضها يحاول أن يظهر في حياتنا فجأة وغيرها فقط يأتي عن طريق الذاكرة.. إنها الذاكرة اللعينة, قالوا أن النسيان نعمة, وكأن ذاكرتنا تمحي الجروح الغائرة بداخلنا, ليس كل شيء يُنسى.. ذهبت مساء ليلة في منتصف الاسبوع التالي إلى الحانة وهو كان يراقبها عن بعد.. كانت تعتقد أنها ستراه مجددًا لكن بعد فترة كبيرة.. ربما بعد أن تنساه.. هكذا كانت ترى الحياة.. تعطينا الاشياء بعد فوات الأوان.. او في وقت سابق لأوانه.. انتظرها طويلًا لتخرج من الحانة.. خرجت بعد ثلاث ساعات وكانت تبدو بحالة ليست بسيئة.. لم تشرب الكثير.. لم يُرِد أن تراه فاختفى من المكان مسرعًا...
سِتـــار 

المشهد الرابع
يوم جديد, نهار جديد, ذاهبة هي للعمل لا تدرك أو لا تهتم إلى أين ستذهب وكيف ستعود ومتى وماذا ستفعل, لم تعد تفكر في كل هذا منذ فترة لأنه اصبح روتين يوميّ, اجتازت كل مآسي ماضيها الذي عاود في محاولات الظهور من جديد, وارتدت فستانها الاسود المزين بنقاط بيضاء صغيرة متقاربة, تعشق هذا الفستان, كانت تشعر انها ستقابله اليوم وأرادت ان تكون في ابهى صورها, رآها وهي تخرج من منزلها فشعر أنها ستقابل أحدهم, لم يعلم أبدًا أنها تفكر فيه, لم يرد أن يفسد عليها اليوم بظهوره, يعلم أنها لن تتجاهله, لكنه أجل ذلك قليلًا, رآها وهي عائدة للمنزل وملامحها هادئة نوعًا ما, يبدو أنه كان يومًا عاديًا, كم عشق التعبير لها عما يرى في جمالها, ذهب إليها ورأته متجه نحوها, ارتعشت قليلًا لكنها رعشة سعادة, يده اليسرى تزيح القبعة بسلاسة وبطء ويريح القبعة على صدره, ويده الأخرى تحمل بعض الزهور, عبر الشارع وتوقف أمامها بالضبط... 

سِتـــار

المشهد الخامس
يوم طالما انتظره, أخذ يهندم نفسه بعد عودته من عمله, ارتدى البدلة المفضلة لديه, ولم يضع ربطة العنق المعتادة, أراد ان يكون هناك بعض من الأناقة فأضاف ما يعرف ب" الببيون" وذهب ليلتقيها.. سبقها إلى المكان وكانت قد دعته إلى حفل يقيمه أحد زملائها في العمل وأرادت ان يرافقها هناك, ذهب ولم يكن يعرف أي شخص بالمكان, انتظرها قليلًا ثم أزعجه الجو العام فخرج لينتظرها بالخارج, على الرصيف المقابل.. مرت ساعتين ولم تأتِ.. عاد إلى منزله, حائرًا وقلقًا, حزينًا ومتسائلًا.. هل هي بخير؟ هل من الممكن أن تكون ترددت مرة أخرى؟ لماذا لم تسألني أن اقابلها ونذهب سويًا؟ أقابلها؟ أين؟ نعم! بيتها! بيتها! تبًا لي.. لماذا لم أذهب إلى هناك؟ .. هكذا صاح بصوت مسموع بعد أن كان يفكر في هدوء.. جمع مفاتيحه وإغلاق الانوار لم يتطلبوا منه ذلك التركيز والوقت المعتادين, لم يبعد بيتها عنه كثيرًا.. عندما وصل هناك ف إذا بالانوار مضاءة, اطمأن انها بالداخل, هدأت بداخله افكار أن يكون حدث لها مكروه وهي في طريقها لمكان لقائهما, اجتاحت مشاعره إرادة قوتها لا تضاهَى.. أن يتواجد بالداخل! .. ربما كانت مريضة, أو حزينة, ربما هناك شيء ما.. بالتأكيد هناك شيء ما; وقف لساعة من الزمن يفكر وينظر بخيبة أمل إلى النافذة.. ف إذا بظلها يظهر على الحائط.. والانوار تنطفئ.. هدأ قليلًا وعاد لمنزله ثم نام بعد تفكير عميق...
سِتـــار

المشهد السادس
بعد شهر لم يتقابلا فيه قط.. كان يسير في شارع مجاور للحانة التي عادة ما ترتادها هي, حدث ما لم يتوقعه أبدًا.. إذا بيد تربت على كتفه, سؤال يفاجئه قبل أن ينطق بأي حرف.. كيف تسللت إلى قلبي بهذا الشكل؟ ف إذا به يوشك أن يجيب فتضع أصابعها على شفتيه وتقل له : "اصمت.. لا تبتعد.. ولا تقترب! فقط ابقَ كما أنت.. قتلني الفضول لأسلك هذا لا يعني أنني أرفض وجودك.." .. لثاني مرة تستمع لنفس الكلمة.. قالها لها مع ارتفاع صوت الموسيقى التي تنبعث من الحانة المجاورة, يده ممتدة إليها ونفس الكلمات ترتسم على ابتسامته الساحرة بالنسبة لها: "تسمحي لي؟" امتدت يديها لتتشابك مع يديه في حركة لم تستغرق جزءًا من الثانية, لم تشعر هي بنفسها.. أراد أن يرقص معها..
 سِتـــار

Thursday 12 April 2012

كلمات


افترقنا قبل أن نتلاقى.. وتلاقينا في عالم بعيد..
عالم لا يصافح فيه سكانه بعضهم البعض بالأيدي.. ولا بالأحضان ولا القبلات.. 
عالم تلاقت فيه مسميات لا نعلمها.. ربما أفكار وربما أرواح.. 
ربما ابتسامة رُسِمت بدون أدنى قصد.. وربما دموع تقاسمناها سويًا قبل أن نلتقي..
ربما حياة أخرى عشتها في خيالي للحظات قصيرة..
ربما العالم الاخر الذي أكتب فيه الكلمات التي لا ادرك كل معانيها لكنها تقتلني في كتابتها.. 
لم نلتقي.. لا! اكاد اجزم أننا التقينا.. والتقينا منذ فترة كبيرة.. وظللنا نلتقي يوميًا أيضًا.. 
هل رسمتُكِ في خيالي قبل أن أراكِ؟ أم كنتي تحيطين بي بدون علمي..؟ 
لم أحب التفكير كثيرا في "كيف التقينا, ومتى وأين" .. 
لكن ما أنا فيه الآن يجبرني على ذلك.. من أين أتيتي؟ وكيف أتيتي؟
والسؤال الأهم والأكثر تعقيدًا بالنسبة لي.. متى أتيتي؟ 
مشهد سينمائي يدور في رأسي.. 
تفاصيله تدور بين أمطار وموسيقى يغمران المكان.. 
وأنتي وأنا على جانبي الطريق وما بيننا ليس الطريق ولا السيارات فحسب.. 
بل مسافة تبدو سحيقة .. مسافة تدور فيها صراعات وأصوات كثيرة.. 
لا أهتم بها.. اعبر إليكي والخوف يقتلني.. 
أنظر إليكي نظرة تقول لكي لما لا تمدي لي يدَكِ.. 
ترد عيناكي إلي وتقول "لا أعلم" ويدكي اليسرى تمتد نحوي بلا إرادة منكِ.. 
نظراتُكِ ما زالت حزينة ولم تسعدي باقترابي منكِ..
لكنكِ اقتربتي بالفعل.. أصبح جسدانا شيء واحد يحتمي كل منا بالاخر من المطر.. 
جسدكِ الضئيل يختبئ تحت كتفاي.. وبعض القطرات تنساب على شعركِ بعد انزلاقها على كتفي..
تنظرين إليّ في خوف وفي نفس الوقت تطلبين الأمان.. 
صوت الموسيقى يرتفع.. ونبدأ الرقص.. 
لا تستطيعين التمييز بين القطرات التي على وجهي هل هي دموعٌ أم امطار؟ 
تنظرين نظرة إلى عيناي ثم تمسكين بي جيدًا وينساب جسمكِ بين يداي مع الموسيقى.. 
نظرة أخرى وعلى شفتاكي تساؤلات تكاد أن تخرج لكنها كثيرة وغير معلومة! 
أجيب: أحبُّكِ.. نعم أحبُّكِ
تهدأ الموسيقى وتهدأ الامطار لنمضي في الطريق الذي لا نعلم إلى أين سيذهب بنا.. 
نمضي ولا نرى نهاية الطريق.. هناك شيء بنهايته لا نعلمه..
نور أم ظلام؟ حقيقة أم سراب؟ هو علامة استفهام.. 
إجابتها تكمن في ذلك الاحساس الغامض بداخلنا.. احساس يمزج بين الألم والسعادة..
انتهت.